news-details

قراءة في مقابلة نصر الله على قناة "الميادين": معضلة مارد المقاومة وقمقم الطائفية

ترقب غير مسبوق سبق مقابلة الأمين العام لحزب الله على شاشة الميادين، ترقب شمل ليس فقط محبيه ومريديه من داعمي الحزب وحلفائه على مستوى لبنان والمنطقة ككل، ولكن أيضا من قبل القيادات الاسرائليلة العسكرية والسياسية ومن قبل قيادات وزعامات الدول العربية المختلفة.

كذلك سجلت مشاهدة المقابلة نسبا غير مسبوقة. بالتالي من نافل القول ان اطلالات حسن نصر الله ومقابلاته الاعلامية أصبحت حدثا اعلاميا من الدرجة الأولى على مستوى المنطقة ككل وأبعد من ذلك.

كذلك لا مكان للإكثار من تحليل الضربات المختلفة التي سددها نصرالله على مختلف الأصعدة وخصوصا للروايات الرسمية الاسرائيلية وللقيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية التي تجد نفسها أمام لاعب حاذق لا يرسل حجارة النرد على عواهنها، بل هو لاعب شطرنج يحسب حساب كل خطوة ويدرسها ويحلل السيناريوهات المختلفة والامكانيات المتنوعة، وفي كثير من الأحيان يظهر متقدما عدة خطوات على خصمة. مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بعيد جدا عن العنتريات والتبجحات التي مردودها عكسي على المتلقي خصوصا لتجارب سابقة مع زعامات عربية كان كل ما تعرفه هو التبجح غير المدروس.

لقد كتب الكثير عن قراءة حزب الله ونصر الله بالذات للواقع الاسرائيلي والفهم العميق لخفايا السياسات الاسرائيلية والسيكولوجيا الجمعية للمجتمع الاسرائيلي من جهة، والفروقات والمصالح المختلفة التي تحرك كل واحد من القيادات الاسرائيلية السياسية والعسكرية، من جهة أخرى، وهو أمر برع فيه نصر الله في السابق وبحسب تقديري انه إرتفع بهذا الفن درجة في لقائه الاخير على الميادين.

لن أطيل الحديث هنا عن كل ما تناولته وسائل الاعلام بتوسع حول القدرات العسكرية المتطورة والتقدم الذي أحرزه حزب الله، ان كان على صعيد الأسلحة الدقيقة ونوعية هذه الأسلحة والتي من الممكن أن تغير معادلات كثيرة في الصراع الاستراتيجي بين اسرائيل وبين حزب الله، ولا على صعيد كمية هذه الأسلحة والتي يؤكد نصر الله أنها كميات كبيرة وغير مسبوقة وتكفي لكل مواجهة مقبلة مع اسرائيل. وهو أمر تفهمه وتعرفه القيادة الاسرائيلية جيدا والا لما انتظرت ولو لحظة واحدة لتصفية حزب الله لو لم تكن تعلم ان مغامرة من هذا النوع سوف تجر على اسرائيل ردا لم يسبق له مثيل من حيث تحويل كافة مناطق البلاد الى جبهة حرب وليس فقط المناطق الحدودية. وكان واضحا في كلام نصر الله أنه يحاول درء الحرب وتنبيه الاسرائليين الى إمكانية أن يجرهم نتنياهو الغارق في ملفات الفساد الى حرب تستهدف الهرب من هذه الملفات.

ما أود التركيز عليه هنا وعلى عجالة هما نقطتان لم تأخذا الحيز المطلوب من المقابلة ولا من تحليل المقابلة بشكل كاف. حيث مر عليهما نصر الله في عجالة في الثلث أو النصف ساعة الأخيرة من المقابلة بعد ان استولت القضايا الاقليمية والاستراتيجية والتكتيكية وقضايا سوريا واليمن وفلسطين والحرب والمواجهة مع إسرائيل على حصة الأسد من المقابلة وهو أمر مفهوم نتيجة الوضع القائم والظروف اللتي أحاطت المقابلة.

أما النقطتين اللاتي أريد لفت الانتباه اليهما فهما كالتالي:

*سياسة الأحلاف مكان سياسة الانقلاب:

لعل إحدى أهم الجمل غير المتصلة بالبعد العسكري المباشر، والتي قالها نصر الله في هذا الحوار، كانت جملته الأخيرة والتي أكدت على تغيير عميق لا زال مستمرا وقد بدأ منذ تولي الأمين العام الحالي نصر الله الأمانة العامة للحزب وحتى قبل ذلك بقليل مع تولي الأمين العام السابق عباس الموسوي أمانة الحزب في العام 1991 قبل ان يتم اغتيالة في شباط 1992. تحول حزب الله من الثورة الاسلامية في لبنان الى المقاومة الاسلامية (والوطنية) اللبنانية والتحول من سياسة قلب لبنان وسياسة عدم الاعتراف بالكيان اللبناني الا كجزء من دولة اسلامية كبرى "والتي نصر الله طليعتها في ايران"1 الى سياسة تفهم الخصوصية اللبنانية وهي سياسة التحالفات وادخال المقاومة وفهم حزب الله للقضايا السياسية والاستراتيجية الى "العقل الجمعي اللبناني" بالقوة الناعمة عكس القوة الفجة.

جملة نصر الله الأخيرة في المقابلة واللتي يقول فيها: "حزب الله يؤمن أن لبنان لا يمكن أن يدار الا من خلال تفاهم جميع مكوناته، هذه خصوصية لبنان التي ان تجاهلناها نخسر حالنا ومنخسر هذا البلد".

هذه الجملة ليس جملة عابرة بل هي خلاصة التحول الذي قام به الحزب على مدار أكثر من ربع قرن وخلاصة انفتاح حزب الله وقوته الداخلية وفيها أيضا تكمن فرصة أن يعطي حزب الله نموذجا اسلاميا مختلفا عن الحركات الاسلامية الاخرى، وحتى عن النموذج "الايراني" الذي يُعتبر لدى حزب الله نموذجا مثاليا لكنه في ذات الوقت واعٍ تمام الوعي انه لا يمكن استنساخه في الواقع اللبناني التعددي والمختلف كليا. لذلك تجد ان حزب الله يقوم بالتحالفات العابرة للطوائف لتثبيت حضوره ولتعزيز مواقفه ولعل "واسطة عقد" هذه التحالفات بالنسبة لحزب الله هو التحالف الذي أعقب ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر والتي وُقعت في شباط من العام 2006 وعمّدت بالدم في حرب تموز من ذات العام والتي أعطت للحزب ظهرا لبنانيا شاملا عابرا للطوائف ومستعليا عليها.

ولعل هذه النقطة تنقلنا الى النقطة الأخرى التي أود التركيز عليها وهذه المرة هي نقطة القصور في تركيبة حزب الله والنقطة التي فيها مقتل الحزب.

 

* بالرغم من كل ذلك فهو حزب طائفي:

في النصف ساعة الأخير من المقابلة وبعد التحليلات الاستراتيجية العميقة والنقاط المختلفة الهامة أخذ المحاوِر غسان بن جدو نصر الله الى "زواريب" السياسة اللبنانية في تشكيل الحكومة وفي الموقف حول اتفاق الطائف. فكان على نصر الله ان يتحدث كزعيم طائفة. على الرغم من كل المواقف الوطنية ومن المواقف القومية وحتى المكانة اللتي يحظى بها حزب الله ليس فقط في المنطقة بل في العالم أجمع كرأس حربة المقاومة في وجه اسرائيل والإمبريالية الأمريكية، الا ان كون الحزب مشكل اساسا من فئة طائفية واحدة حاضنة هي هي مصدر قوة الحزب ومصدر ضعفه في آن.

عندا يتم سؤال نصر الله عن تغيير اتفاق الطائف2 الذي جب ان يتم تغييره بالفعل وتصحيح مساره، تظهر محدودية قدرة حزب الله بإعطاء أجوبة جذرية نتيجة للتقسيمات الطائفية الموجودة في لبنان ونتيجة لكون حزب الله دائما موضوعا تحت مجهر فحص النوايا الطائفية كتعبير عن تركيبته وجذوره وهو الأمر الواضح لنصر الله ولحزب الله، وبالتالي فهو متنبه جدا لعدم خلق أو تحريك هذه الحساسية الطائفية والمذهبية. لذلك نجده غير مرتاح ويبتعد عن المس بأي شكل من الأشكال بكل "شبهة" أو "تهمه" بالسعي لتغيير أو تطوير أو تحسين الطائف فضلا طبعا عن نسفه من أساسه. لأن هذا الأمر سيعيد الاحتقان الطائفي والمذهبي في لبنان وهو مقتل حزب الله ومقاومته.

 

للخلاصة:

حزب الله هو عامل ولاعب قد تخطت مكانته المحلي والاقليمي وأصبح لاعبا عالميا ,امميا ان شئتم. لكن هذه المكانه لها جذورها المحلية اللتي منها انطلق الحزب واليها يعود. نقطة "المقاومة" هي نقطة قوة الحزب وهي التي ولّدت أسطورة حزب الله وبالتالي هي النقطة التي سيحاول أعداؤه التركيز عليها وضربها.

في مقابلة نصر الله الحالية ظهرت حاجة نصر الله للمناورة بين أوتوسترادات المقاومة والعالمية وبين زواريب وسراديب الطائفية المحلية. من خلال رصد النصف ساعة الأخيرة من مقابلة نصر الله مع الميادين يمكن رصد التحول الكبير في سياسات حزب الله وانفتاحه على القوى الأخرى في لبنان وفهمه العميق للواقع اللبناني والمشرقي بشكل عام وإمكانية إعطاء بديل عملي بشكل إسلام سياسي من نوع خاص، منفتح وتقدمي الى حدٍ ما على الأقل على الساحة السياسية. لكن في المقابل فإنه من دون قدرة حزب الله الإفلات من خلفياته الطائفية أو من دون القدرة على تجاوزها الى رؤية أكثر وطنية واكثر أممية بحيث يتم تذويب الطائفي في الوطني، سيبقى مارد حزب الله مهما علا وارتفع معرضا ومهددا بالانحسار من جديد الى القمقم الذي يريده فيه أعداؤه - قمقم لبنان الطائفي.

ملاحظات:

1 الرسالة المفتوحة 1985

2 وهي الاتفاقية التي وضعت حدا للحرب الأهلية اللبنانية وشكلت حجر الأساس للجمهورية اللبنانية الجديدة-القديمة مع تعديلات على التوزيعات الطائفية وصلاحيات الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب)

 

الصور: نقلًا عن قناة الميادين

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب