news-details

لم نكُن في انتظار البرابرة| سامر خير

(1)

 

في زمن الحرب
يكتب الجميع عن الحرب
أما أنا فأكتُب عن السلام

أقول لظلّي:
لن يظلّ أقصى طموحي
أن أنجو من الموت،
وأقصى رفاهيتي
أن أنام قليلاً بلا شوك

الآن في زمن الحرب
وفي هذا الظلام
أنذا أشعر بحرارة الشمس
فوق تراب القبور

(2)

 

لم نكُن في انتظار البرابرة
عندما كُنّا نُخزّن أضواءَ القَمْح
ونُجَفِّف ثمار الِلَيْل 

لم نكن في انتظار البرابرة
عندما كانت بيوتُنا متلاصقة
كخلايا النحل، وفي جدرانها ثقوب
كأنّها آذانٌ لنا وَأفواهٌ للجيران
..

لكنّ البرابرة
لم يأتوا من بلاد البرابرة
بل من بلاد المُتحضِّرين جاءوا
فجأةً. وَصِرنا نترقَّب معهُم
قُدومَ البرابرة! 

 

 

(3)

 

ما يؤلم الآن
أكثر من موت الأحبّاء
أنه لا وقتَ للوداع ولا وقتَ للبكاء
وأنتَ تركُض هربًا من القذائف
مثلَ مَوْجةٍ حمراء. وتحتَ قدميك
تركُض الطريق. وحزنُك يختبئ 
فيك مثل ولدِ الكنغر

ما يؤلم الآن
أكثر من ابتسامة أخيك الأخيرة
العالقة كالنّار في ذاكرتِك،
أنّ ضميرَك يُؤنّبُك: فلعلّك لم تتأَنَّ..
ولعلّك دفنتَه حيًّا..
إذ كيف لابتسامةٍ كهذه
أن ترتسِم على وجهِ ميّت؟

ما يؤلم الآنَ
أكثر من الألم
أنه فجأةً
ما عادَ شيءٌ يؤلمُك
... 

 

(4)

 

أثْبِتْ أنّكَ جائعْ
أثبتْ أنّ اللهَ الحَيَّ القيُّوم
لم يرزقْكَ طعامًا
أثبتْ أنّ جراحَكَ ليست وردًا جوريًا
أثبتْ أنّ دماءَكَ تدلفُ منها
أثبتْ أنّك تتألَّمْ
أثبتْ أنّ قناديلَ الليلِ نُجوم
أثبتْ أنّ صغارَكَ ماتوا تحتَ البَرْقْ
أثْبِتْ أنّكَ ضائعْ
أثبتْ أنّ قطيعَ الشَّمسِ غُيوم
أثبتْ أنّ طريقَ البيتِ تعثَّرْ
أثبتْ أنّ البيتَ المهدومَ تَهَدَّمْ
أثبتْ أنّ زجاجَ القلبِ تكسّر
أثبتْ أنّكَ مولودٌ في هذي الأرضِ
ولم تسقطْ من بَجَعَة
أثبتْ أنّكَ موجودٌ
أثبتْ أنّكَ موعودٌ بِرَحيقِ الشَّمْعَة
أثبتْ أنّ زمانَكَ كانَ
وأنّ مكانكَ كانَ
وأنّكَ كنتَ
وأنّكَ أنتَ
وأنّكَ عُدتَ.. بِلا رجعَة
أثبتْ أنّكَ لا تَتَنفَّس
أثبتْ أنّك ميّتْ!
أثْبِتْ!
أثْبِتْ

 

(5)

 

أيها العالَم على مَ تتفرَّج؟ كَأَنَّك مدرَّج رومانيّ كبير،

مقاعدُهُ المُنهَكَة تطلّ عليّ من كل بيت؟
قد ترى يَدي المقطوعَةَ كأنها زجاجة فارِغة، لكن

ألا ترى أحبابي المختبئين تحت التراب؟

فإنّهُم جميعًا بُتِروا منّي

عندما قُتِلوا في حُلم واحد وهُم نِيام.
ألَمْ تتمتّعْ بوجعي كفايةً أيها العالَم المتحضّر؟
أم تريد مزيدًا من عَبَث الأكْشِن؟

 

 

(6)

 

ما عدتُ أصدّقُ
يا وَجَعي.. أَحَدا
لم يبقَ نصيرًا
إلاّ
مَن باعوا البلدا

 

 

(7)

 

طفلٌ نجا من مجزَرَة
لا تطلبوا منهُ إذًا خِزانةً
يصنعُها في منجَرَة
أو محبَرَة
توقّعوا أن يصنعَ التابوتَ
لا أَسِرّةً جميلةً..
فكُلّ مَن أحبَّهُم
قد دُفِنُوا في المقبرة

وارْجُوا له
الرحمةَ ثمّ المغفِرَة
فإنّهُ
طفلٌ نجا من مجزَرَة

 

 

(8)

 

هُوَ ذا يُطلّ من ليل الحرائق
كنبتةٍ زرقاء..
قاهرُ التنّين وأنبياءِ البحر الكَذَبة

هُوَ ذا ..
ممسكًا بالبرق وسط العاصفة
يخلعُ عن عينيه غشاوةَ الرمال
ويغنّي لاشتعالِ الينابيع

هُوَ ذا يلمع مبتهجًا
كَنجمةٍ ناجيةٍ من ثقب أسود

هُوَ ذا الربُّ بَعل
بكل ما في جَناحيْهِ من سُيول
تستقبله الربّةُ عنات
بكل ما في أرضِها
من جفافٍ ويباب

 

 

(9)

 

كم طالت الطريقُ إلى إِثيكا
مع أننا تمنّيناها أقصر من مسافة شُرب سيجارة،

وحاربتْنا فيها كل أجناسِ الوحوش
مع أننا لم نؤمن بالخُرافات والأساطير،

وبقينا عازمين على الوصول إليها
رغم صخرة سيزيف العنيدة،

لكنّ جدّي حين بلغ المئة من عُمر العذاب
مات في الطريق،
وأبي صار يتكئ على عكّاز الذكريات
وهو في الثمانين من عُمر الأمل،
وأنا صرتُ أخاف:
ماذا ستفيدُني كلّ دُروس الطريق
إذا أنا أيضًا لم أصِلْ؟!

 

 

(10)

 

ما جِئْتُ اليومَ أقولُ لكُم:
مَنصُورُونْ
ما بالقَوْلِ النَّصرُ يَكونْ
هذا الدّمُّ النازفُ من جُرحي
دمٌّ.. لا وردٌ أحمرُ أو جمرٌ 
إنّ الجرحى مجروحونْ 
والقتلى مقتولونْ
وأنا أتوجّعُ مثلَ جُذورٍ يائسةٍ
تحتَ تُرابٍ أزرَقَ. لا تثِقُوا
بِكَلامي الآنَ إذا قلتُ لكم
إنَّ غُيومي مثلَ غُصون الزيتونْ
لا تيبسُ، مهما كانَ ومهما سيكونْ
لا تثقوا بكلامي الموزونْ
قوموا كالموجِ الآنَ
مِنَ المستنقعِ. وانفجروا
مِن كُلِّ ضَريحٍ مثلَ عُيونْ
قوموا.. لا تَدَعُوا الموتَ
على الأحياءِ يهونُ
ولا تَدَعُوا الوقْتَ يهونْ

 

(يناير – مارس/2024)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب