مسألة الهجوم المبرمج على الجماهير العربية ينقل الأقلية الفلسطينية في اسرائيل من حقل إلى آخر. فالخطاب المهيمن الآن، على الحملة الانتخابية، هو الخطاب اليميني العنصري المعادي للعرب، الذي يشكل، عمليًا، إنعكاسًا لحالة عامة في تزايد داخل المجتمع الإسرائيلي باتت تدفع بقوة باتجاه إعادة انتاج معاداة العرب وتضييق الحصار عليهم، وبالتالي فان المقصود هو كسر جماهيرنا العربية ومحاولة دفعها باتجاه الاعلان عن رفع الراية البيضاء إيذانًا بإعلان "الولاء".
وحتى أكون واضحًا، فان القصد ليس فقط حزب ليبرمان. فالممكن الذي يطرحه ليبرمان، بحسب منطقه، أصبح ممكنًا بفعل رواج الأفكار العنصرية والفاشية داخل أوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلي يحاول ليبرمان أن يستفيد منها انتخابيًا. ونعتقد انه نجح بذلك. حتى ان صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بالأمس (الصفحة الثالثة)، وصفت شعار ليبرمان الانتخابي بأنه الأكثر ترديدًا واستيعابًا. هكذا خبط لزق، يجري التعامل مع الموضوع في أكبر صحيفة اسرائيلية، من منطلق التشويق الإعلامي والإعجاب بنجاح الشعار، بدون التطرق، ولو بكلمة واحدة، على الأقل كتسجيل موقف، للأفكار الفاشية التي تقف خلف الشعار المذكور.
المجتمع الصهيوني الاسرائيلي كان بحاجة الى فكرة يتولد معها الشعور لديه بنوع من الإجماع والتوحّد الداخليين حول قضايا معينة. إذن، هو كان بحاجة للخروج من حالة الإرهاق وتزعزع الثقة، وبالذات بعد حرب لبنان. وبطبيعة الحال فان المخرج هو معاداة العرب وتكوين حالة الإجماع هذه من خلال الحرب والعدوان والقتل والتدمير، هناك في غزة، والترانسفير والترحيل والتخلّص من العرب عبر فكرة "التبادل السكاني"، هنا عندنا.
هذا توجه متماسك لا يختلف في الجوهر والخلفية بين الليكود وكاديما والعمل وحزب ليبرمان، وإن بدا مختلفًا في الظاهر والعلن. فليبرمان يجاهر بما يحاول الآخرون اخفاءه. أصلاً مشكلتنا الأساسية هي مع المؤسسة الاسرائيلية ذاتها التي تحمل الليبرمانية، طرحًا وفكرًا، منذ زمن بعيد. وهناك الكثير من الأبحاث والاستنتاجات في أروقة المؤسسة التي تسير بهذا الاتجاه والتي تؤكد ما نذهب اليه، تم النشر عن بعضها في وسائل الاعلام على مدار السنوات الماضية.
لننتبه الى ما يجري الآن. لا يحاول الليكود، وهو الذي تشير كل الدلائل (حتى اليوم) الى إمكانية فوزه بتكشيل الحكومة المقبلة، إبداء الإختلاف مع ليبرمان في طرحه الفاشي بحق العرب. على العكس، هو يحاول مسايرته. يطرح عليه حقائب وزارية مهمة (يديعوت احرونوت أمس). وهذا طبيعي، ذلك ان الليكود يفكر بما يفكر به ليبرمان، بالتمام والكمال. ولا يحاول حزب "العمل" الأمر ذاته، ولا "كاديما" طبعًا التي أعطت زعيمته قبل فترة قصيرة كلامًا شبيهًا بمضامين خطاب ليبرمان، وإن اختلفت النصوص، مفاده الربط بين الحل القومي للفلسطينيين في اسرائيل وبين قيام الدولة الفلسطينية. وواضح ان مقصد زعيمة "كاديما"، تسيبي ليفني، من كلامها هذا ان من لا يقبل هذا الطرح – طرحها - فان لا مكان له هنا في دولة اسرائيل. أي انها عمليًا دعوة مفتوحة لتنفيذ ترانسفير دون ان تذكر العبارة بالنطق.
أول ما يجب ان نستخلصه مما سبق هو ضرورة الإستعداد للمواجهة. ستقع المواجهة حتمًا مع حكومة يمينية متطرفة قادمة. فما تم طرحه في الانتخابات هو ليس فقط للتسويق الانتخابي، بل هي أفكار قد تجد طريقها الى الخطوط العريضة للحكومة المقبلة ضمن الاتفاقيات الائتلافية. وهي أفكار أخذت من الرواج، وبالتالي من الشرعية، في الأسابيع الأخيرة، ما يؤهلها، بحسب حامليها، لأن تأخذ موقعها المتقدم على جدول أبحاث الكنيست القادمة.
هذا ليس بالأمر العابر. هذا يستدعي منا اليقظة – كل اليقظة. سياسة التيئيس هي سياسة المؤسسة. سياسة التركيع هي سياسة المؤسسة. سياسة محاولة كسرنا هي سياسة المؤسسة. ولو ارتبط الأمر بهم لوحدهم لكانوا منعونا من ان نكون ليس في الكنيست فقط، بل في البلاد نفسها.
من هنا لا مكان للإنكفاء. المعركة على مستقبلنا جميعًا. على مجرد بقائنا وكيف يكون هذا البقاء، هل هو مشتق من ما يسمى بـ "الولاء" والتدجين، أم من الإنتماء للوطن، بالمكان والتاريخ والجغرافية والهوية واللغة والأسماء. هذه انتخابات تدور على قضايانا نحن – قضايا كل واحد منا، في البيت وفي المصنع وفي السوق وفي الشارع وفي النادي والمدرسة والجامعة.
نعرف اننا لا نذهب الى هناك لأن الكنيست هي مربط خيلنا. ونعرف ونعرف الكثير. لكن، في الوقت نفسه، نذهب الى هناك لنقول لمن يجب ان تقال له هذه العبارة: ان اليد التي ترتفع على جماهيرنا العربية.. سنكسرها. هذا هو موقف الجبهة المعلن في كل مكان. ونحن قادرون معًا!