كانت عرابة دائما في طليعة القرى العربية التي تكون سباقة في تعليم اجهزة السلطة واجهزة المخابرات دروسا في المواجهة الكفاحية الواعية والمسؤولة منذ اوائل الخمسينيات من القرن الماضي في التصدي لكل اجحاف يحيق بجماهيرنا في هذه البلاد، ولذلك ونتيجة لهذه الاعمال العنصرية والاستفزازية التي مارستها السلطة بشكل وقح ضد جماهير عرابة البطوف في ذلك اليوم، وعلى اساس هذا الواقع فان الجماهير العرابية قد لقنت السلطة وأجهزتها واعوانها المحليين درسا لم ينسوه ابدا وان اسلوبها العنصري والهمجي تجاه هذه الجماهير لم ينفعها ومثل ما يقول المثل "جاجة حفرت على راسها عفرت" حيث انه في هذه الانتخابات للهستدروت كانت قد حصلت قائمة الحزب الشيوعي في عرابة البطوف على نسبة 72 بالمائة للمجلس العام للهستدروت وكذلك على نسبة 80% الى مجلس "نعمات" أي بين النساء، في الواقع ان من يعرف عرابة في ذلك الوقت لم يستغرب مثل هذه النتائج التي كانت من الناحية العملية والفعلية صفعة قوية للسلطة وأعوانها وقد ادت الى زيادة هستيرية اجهزة السلطة. حيث اعطت لأجهزة الاعلام الاسرائيلي معلومات خاطئة وفيها تحريض على اهالي عرابة البطوف ولكن هذه الجماهير "يا جبل ما يهزك ريح" وكان الرفيق اميل حبيبي متواجدا في ذلك اليوم في عرابة البطوف ورأى بأم عينه تصرف رجال الشرطة وأعوانها وعلى اساس رؤياه هذه كان قد بعث الى وسائل الاعلام في اسرائيل الحقائق الموثقة والتي رآها في عرابة في ذلك اليوم الا ان هذه الوسائل الاعلامية "الدمقراطية جدا" والواقعية جدا لم تنشر أي شيء عن حقيقة الامر وعن ما جرى وما يجري في عرابة البطوف من تمادي اجهزة السلطة وتصرفها المشين بحق جماهير هذه القرية الصابرة والصامدة في وجه كل المؤامرات، ان اجهزة الاعلام السلطوية هذه رفضت ان تنشر شيئا من الحقائق الا الذي اعطتها اياه اجهزة الشرطة في ذلك الوقت. وفي عدد الاتحاد يوم الجمعة بعد الانتخابات بأيام قليلة كتب الرفيق اميل حبيبي في اسبوعياته حيث قال فيها "يوم الانتخابات كنت في عرابة ورأيت "نشاط" البوليس في هذه القرية الحبيبة ورأيت الناس كيف يشعرون بالانفجار من تصرفاته الساقطة" في الواقع ان اسبوعيات الرفيق اميل حبيبي في ذلك اليوم كانت مليئة بالفرح والابتهاج من النتائج التي حققها الحزب الشيوعي في انتخابات الهستدروت هذه وكان قد كتبها في ذلك الوقت تحت عنوان "صباح الخير" قال في مقدمتها "اقرأ نتائج انتخابات الهستدروت في اماكن اخرى من هذا العدد حتى ينشرح صدرك" من الواضح ان الحزب الشيوعي رأى في ذلك الوقت ان هذه النتائج الايجابية لهذه الانتخابات نقطة تحول جديدة وهامة بين جماهيرنا العربية في هذه البلاد، وان هذه النتائج لم نحصل عليها من قبل وعلى هذا الاساس كانت اسبوعيات الرفيق اميل حبيبي مليئة بالفرح والتفاؤل في المستقبل.
بعد انتخابات الهستدروت التي حققنا فيها نتائج ايجابية هامة جاءت بعد فترة قصيرة معركة انتخابات الكنيست والتي يجب ان يحقق فيها الحزب ايضا نتائج ايجابية لا تقل اهمية عن نتائج انتخابات الهستدروت وهذا كان احد الاهداف الاساسية للحزب قطريا ومنطقيا وفي عرابة ايضا، وعلى اساس هذه الاهداف كان عمل جميع الرفاق وفي تلك الفترة وقبل انتخابات الهستدروت وحتى انتخابات الكنيست ألقت على عاتقي سكرتارية منطقة الناصرة للحزب الشيوعي مسؤولية توزيع جريدة الاتحاد في قرية عين ماهل خاصة وأنه حتى تلك الفترة لم يكن يوجد هناك لا فرع للحزب الشيوعي ولا للشبيبة الشيوعية، وكان من الواجب علي ان انفذ مثل هذه المهمة والمسؤولية الجدية التي القيت على عاتقي. وأنطلاقا من هذه المسؤولية المبدئية قلت للرفاق انا موافق وعلى استعداد من اجل تنفيذ هذه الهمة الحزبية. ولكن يا رفاق انا لا اعرف احدا هناك فقال لي احد الرفاق انه يوجد لنا هناك صديق طيب باسم احمد حبيب الله ويمكن ان تذهب اليه وهو يساعدك على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقك، وبناء على مثل هذه المعلومات والتوجيهات استقليت الباص من الناصرة الى قرية عين ماهل وعندما وصلت الى هناك سألت عن هذا الصديق واهتديت اليه وعندما وصلته عرفته على نفسي وسألته كيف يمكن مساعدتي في مهمتي؟ فأجابني بصراحة واضحة جدا، هذه هي البلد امامك "طش فيها" وهو لم يتزحزح من مكانه ولكني عرفت فيما بعد ان هذا الصديق كان ما زال يعيش مرحلة اليأس من النتائج التي حدثت في حرب حزيران العدوانية وهزيمة الجيوش العربية في هذه الحرب، ولكن في الواقع انه فيما بعد اصبح من النشيطين جدا وبشكل خاص في مجال "جمعية الدفاع عن السجناء" وبقي صديقا للحزب حتى ايامه الاخيرة وكذلك ابنائه وفي الوقت نفسه اصبح احد ابنائه والذي هو الرفيق محمد حبيب الله حتى يومنا هذا احد الرفاق النشيطين في صفوف الحزب الشيوعي. وله دورا قياديا في منطقة الناصرة للحزب الشيوعي وتطورت هذه القرية بشكل ايجابي جدا، في الوقت الذي عملت بما قاله لي هذا الصديق المرحوم احمد حبيب الله حيث انني "طشيت" في هذه القرية وبدأت التنقل من بيت الى بيت من اجل توزيع جريدة الاتحاد وكنت استقبل من البعض بحماس ومن البعض الآخر بفتور ولكني استمريت في هذه المهمة حتى اوائل سنة 1970 وخلال هذا العمل تعرفت هناك على عدد من الشباب وكان من بينهم شاب باسم انور مصطفى علي والذي هو اليوم من الاطباء الناجحين في مهنته، كان وما زال في ذلك الوقت طالبا وعندما انتقل للدراسة في المدرسة الثانوية في الناصرة انضم الى صفوف الشبيبة الشيوعية هناك وبعد فترة اقيم هناك فرعا للشبيبة الشيوعية وكذلك فرعا للحزب الشيوعي في عين ماهل واصبح فرعا من الفروع الاساسية في منطقة الناصرة وما زال كذلك وحتى اليوم ما زالت تربطني علاقات رفاقية وعلاقات صداقة مع الرفاق في هذه القرية الطيبة.
لقد حقق حزبنا نجاحات هامة في معركة انتخابات الكنيست السابعة التي جرت في اوائل شهر تشرين الثاني من سنة 1969 بالرغم من كل الاعمال الاستفزازية والاجراءات الارهابية التي مارستها السلطات في هذه المعركة الانتخابية ضد جماهيرنا العربية بشكل عام وضد رفاقنا بشكل خاص. وكان الحزب قد رفع شعارا من اجل انزال "المعراخ"، وقوائمه العربية الى اقلية في منطقة الناصرة وعمليا هذا الشعار قد تحقق في اكثر من واحد وعشرين مدينة وقرية في منطقة الناصرة. وكان فرع عرابة قد حصل على أكثر من 50% من أصوات الناخبين.
في الواقع انه نتيجة لتصرفات السلطة الاستفزازية ضد جماهيرنا فقد ردت هذه الجماهير ردا قويا على اجهزة السلطة في هاتين المعركتين الهامتين انتخابات الهستدروت وانتخابات الكنيست، لقد كان احد اهم اهداف الحزب بعد هدف انزال قوائم السلطة الى اقلية هو هدف اخراج جماهيرنا من حالة اليأس والاحباط التي رافقت هذه الجماهير مدة بعد النتائج المأساوية لحرب حزيران العدوانية، جو الاحباط واليأس لهذه الجماهير في هذه البلاد وحتى تخرج هذه الجماهير بنتيجة ان لا امل لها بعد هذه الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية في هذه الحرب العدوانية التي شنها حكام اسرائيل على الشعوب العربية، ومن اجل ان تصل الى احدى النتيجتين التي تريدها لهذه الجماهير وهي اما اليأس والهجرة من الوطن او السير حسب المثل الذي يقول "الي بوخذ امي هو عمي" او المثل الآخر الذي يقول "حط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس".
ولكن الدور الذي لعبه الحزب والقوى الوطنية ادى الى نتائج عكسية تماما مما ارادته السلطة فقد استنتجت هذه الجماهير بوعيها الوطني والطبقي نتيجة اساسية واحدة، هي التجذر في ارض الوطن والمواجهة السياسية الواعية مهما كلفت من تضحيات وهذا كان ردا مفحما للسلطة وأجهزتها واعوانها.