في الخامس والعشرين من حزيران عام 1998 بكت السماء وكانت صيفاَ، تأوهت جبال وسهول هذا الوطن حزناَ وصمتت كآبة لأن قدمي هذا الفارس الذي جال فوقها سنوات وسنوات لن تطأها ثانية، أشجارها وأزهارها وورودها وأشواكها وزواحفها كانت تألفه لأنَه أحبَها وأعطى سنين العمر الذي ما انتهى لها. بهذه الكلمات بدأت مقالتي في صحيفة "الاتَحاد" في الذِكرى الخامسة لرحيل هذا الأخ الغالي.
يوم وفاته رثاه أصدقاؤه ومحبَوه ومما قال الأب ناجي يعقوب: لم يألُ جهداَ في العطاء ولو على حساب صحَته وأهل بيته، وكان حديثه متعة لسامعيه، وكانت آراؤه منارة لمجالسيه، وعلمه وثقافته مدرسة لطلَابه.أمَا الأخت ألبرتينا خازن مديرة المدرسة فتحدَثت بإسهاب عن صفاته وعطائه اللا محدود ومما قالت: "مهما قلت أو كتبت لا أفيك حقَك يا يوسف، كيف ننسى حبَك ووفاءك للكرمليت، فكانت الكرمليت الأولى في سلَم الأولويَات، حاربت مع زملائك لبنائها وتقدّمها وتطوّرها. ربّيت أجيالاً تبكي فراقك بكاءً أليماً وتتأسّف على أبنائها الّذين لن يحظوا بتعليمك، نعم هذه الأجيال الّتي ربّيتها على القيم الدّينيّة، الأخلاقيّة، الإنسانيّة، العلميّة والثّقافيّة."
أمّا رئيس مجلس البقيعة آنذاك نصرالله خير فكتب عن الفقيد "هو الفتى العصامي الذي نشأ في بيت والده المرحوم أبي منير على العزّة والكرامة واحترام الذّات واحترام الآخر، وآمن أنّ الله نصير الفقراء ومعين الكادحين، وسيأتي ذاك اليوم الّذي تنتصر فيه الشّعوب وتتحقّق العدالة الاجتماعيّة حيث لا ظالم ولا مظلوم على وجه الأرض."
ورثاه السكرتير العام للحزب الشّيوعي الإسرائيلي آنذاك الرّفيق محمّد نفّاع "في خضم التّعقيدات الاجتماعيّة الموروثة والمغذّاة والموجّهة إلى صميم انتمائنا وسويداء قلب شعبنا ونتيلة أمّنا الأرض، وفي لظى سياسة الحرب والعدوان والاحتلال وسعير التّمييز والاضطهاد وتلوث البيئة بالأنانيّة والتّلوّن والانتهازيّة، ساهم الفقيد مع الكثيرين غيره في نفح مجتمعنا وحياتنا بعطاء ومواقف شامخة شذيّة، أطيب من الحبق في الشّف وأنقى من الطّفل على النّفل".
أمّا ابن خال الفقيد سهيل مخول فكتب "تألّمت وحدك، لم تُشعر الآخرين بأنّك تعاني من المرض، لم تفارقك الابتسامة، كنت محبّاً للصلح والإصلاح ومحبّاً للخير".
وذكر زميله بسّام سبيت سنوات طويلة قضاها معه" كان سبّاقاً للنّشاط وأهلاً له، فكم من رحلة معاً وكم من سهرة أنس وسمر وكم من نقاش بنّاء وحوار وجدال واختلاف في الرّأي دون إفساد للود".
وكتب الأخصّائي النّفسي لمدرسة الكرمليت آنذاك فريد شحاده "يعزّ الحديث عن الزّميل يوسف بصيغة الأمس-لحظة توقّف قلبه عن النّبض- إذ كان أقوى من اللحظات والوقفات الحياتيّة القصيرة، قد عرفته دائم الحيويّة والنّشاط والتّخطيط والإعداد للمستقبل."
ولا ننسى أخي وأخاه سمير خوري الّذي أكّد أن يوسف هو الّذي علّمنا أن نقرأ سلامة موسى ولويس عوض وغيرهما من روّاد الفكر الاشتراكي المصري. وقال أيضاً "كنت يا أخ يوسف النّموذج الحي للجدّيّة وصدق العزيمة فلم أسمعك تتأفّف يوماً حتّى في مرضك قاومت وقاومت ولم تستسلم للآلام ولم تفارقك الابتسامة والتّفاؤل كعهدك دوماً."
وكتبت زميلته فوز فرنسيس عن دورة الرّحلات الّتي شارك فيها معلّمات ومعلّمو الكرمليت حيث كان الرّاحل مرشداً وقائداً لهذه الدّورة واختتمت رثاءها بـ "يفتقدك الشّجر الصّامد من تين وزيتون، بطم وسنديان، سرو ولوز. يبكيك الصّفصاف راخياً سدوله قرب الوديان يعزّيه الدلب ويشدّده، يداعب النّسيم السّرّيس والسّندس مع شقائق النّعمان والرّيحان فينثر طيب عطرها على من كان وأخذه الزّمان قبل الأوان."
أمّا زميلته وجارته هند خوري فكتبت: "عندما كنا نجتمع في الأرض والدّار في البقيعة كان يوسف يقص علينا مخطّطه، هنا سأزرع الأشجار المثمرة وهنا سأزرع الورود وهنا الكرمة. لكن شاء القدر أن نفقد جارنا – جار الرّضى – ولم تسمح لنا يد المنون أن نصبح جيراناً فعليّين ولم تنفّذ خططنا سويّاً، ولكن نحن متأكّدون أنّ يوسف ما زال موجوداً في قلوبنا."
وكتب ابن خاله وصديقه عادل مخول "لقد كان يوسف انساناً صادقاً لا يعرف المداهنة ولا التّملّق، فدافع بصدق عن كلّ أقلّيّة مظلومة وخاصّة عن الشّعب الفلسطيني بل ودافع بحماس عن الزّنوج وعن الشعب الفيتنامي وعن الأقلّيّات في افريقيا وغيرها".
لم تصدّق زميلتنا آمال سلامة رحيلك المفاجئ والمبكّر بمثل هذه السّرعة "فالعقل يأبى فهم مثل هذا المصاب الأليم، كنت حقّاً محبّاً للجميع والكل أحبّك لكننا لم نعرف عمق المحبّة إلّا ساعة الفراق."
وقد رثته تلميذته وسكرتيرة المدرسة لاحقاً إيمان كركبي "كنت تقول لي بصوتك المنخفض" أمّونا ...نريد أن نعمل كذا وكذا" كنت أفرح كثيراً بطريقة طلبك، اكتشفت بأنّ وراء صوتك المنخفض العظمة والتّواضع والتّفاني في العمل."
أمّا زميله في طاقم معلّمي المدنيّات علي صلالحة فكتب "المرحوم وبكتابه القيِّم لتدريس المدنيّات في المدارس العربيّة كان قدوة ومنارة علم أضاء بها عقول طلّابنا في مجال لم يكن لوزارة المعارف كتبها فكان سبّاقاً تدفعه مصلحة مجتمعه."
بعد تخرّجها بأيّام فارقها الأب الحنون فكتبت وجدان "أتذكّر يا أبي حين جلسنا في ساعات الليل نتسامر قلت لي
أن لا أخاف وأن أكون قويّة، وحين رأيت صورة التّخرّج وأنت تسلّمني الشّهادة ، طلبت منّي أن أكبّرها، وفي هذه الليلة كنت مطمئنّاً وقلت أني لم أرتكب الكثير من الخطايا لذلك انني متهيّئ لأرى ربي. أتذكّر يا أبي لم أستطع سماع هذا الحديث عن الموت."
وارسل الخريج ماجد مي من المانيا "صحيح أنّ الشّمس قد غربت لكنّها ستشرق من جديد ومثل الشّمس كلّما تشرق سنذكرك يا أستاذي لن ننساك يا مرشدي لن ننساك يا صديقي."
أخي يوسف
بعد الرحيل عنّا جسديًّا لا تزال مقيماً بيننا بفكرك وروحك التي لم تعرف اليأس أبداً فلروحك السّلام وللغالية أم أيمن طول العمر وللغالين وجدان ورود وأيمن الصّحة والنجاح في حياتهم وعملهم ومستقبلهم فقد ترك لهم يوسف اسماً كريماً وسمعة طيّبة.