(الى روح فقيدتنا الغالية نينا امين سمعان- خوري)
إذهلتِنا بقرارك السريع. لماذا قررت وبهذه السرعة الرحيل؟. هل هو ناتج عن قوة وثقة بمن هم بعدك. ام أنك قررت القبول بالحكم القاسي، الجائر، مع العلم انك الأقوى، انك القادرة على التحدي، انك القادرة على الصبر والصمود. ام ان هناك امورا لا يمكن معرفة كنهها، عندما يقرر الإنسان خطوة مصيرية قاسية، وانت المعروفة بقدرتك على اجتراح الصعاب. فبصمتك العميق احيانا، وحديثك المقتضب احيانا اخرى، لم نستطع معرفة ما يجول بذهنك.
انا لا الومك على قرارك مهما كانت دوافعك، بل اسأل، كما عودناكم الحوار الهادئ والنقاش الهادف في صفوف الشبيبة الشيوعية، حيث كنت اكثر الرفيقات انتباها وانصاتا وتعمقا في كل ما يقال من بيانات ومحاضرات، وتحاولين كسب اكبر قدر من المعلومات، كي تنقليها بصدق وامانة.
هل قررت اللحاق برفيق دربك زهير خالد الذكر، وترك الجميع وراءكما.
ام انكما عرفتما انكما انجبتما ابطالا يعتمد عليهم؟ فهذا ما كان يبدو على ملامحك عند تكرار التساؤلات من والدتك الحنونة واخواتك وجميع الاقارب حول فراشك في اليوم الاخير. هل هذا ما كان يجول بذهنك وكأنك تردين على تساؤلات الجميع عندما تلوذين بالصمت العميق. مع اننا نعرفك لا تسكتين على ظلم او ضيم، ولا تتركين مجالا للشك في امر. فانت لا يمكن ان تستسلمي. ونحن نعرفك لا تبخلين في التضحيات من اجل بلدك وشعبك منذ نعومة اظفارك، وعندما انتقلت الى عش الزوجية لتبني انت وزهير بيتا سعيدا وتوفير مستقبل زاهر وسعيد لابنائكما حيث ربيتماهم على حب العطاء والتضحية.
فكنت انت لهم المثل الاعلى في نشاطك في الحركة النسائية والجبهة الدمقراطية، تناقشين تجادلين تشاركين في النشاطات وحتى الرمق الأخير، وانت تحاولين اقناع كل زائر وحتى عندما يحضر الطبيب او تحضر الممرضة تحاولين اقناعهم بالتصويت للجبهة وتقولين بقوة رغم ضعفك ان الجبهة هي الاصل هي الطريق الآمن وانها الحاضر والمستقبل والضمان الاكيد لحاضر شعبنا ومستقبله في قيادته في الطريق السليم الآمن.
وبصوتك الآخذ بالضعف تجادلين من يخالفك الرأي منهم، الا ان صوتك يرتفع فجأة ليعلن لمن يشكك في صدق وامانة الجبهة منهم، ان لا طريق الا طريق الجبهة. ومن اجل ان تكوني مطمئنة ومرتاحة، كافحتِ المرض حتى شاركتِ في نصرة الجبهة وفرحتِ مع من فرح بزياد قوة الجبهة. وكأنك تقولين لنا في صمتك العميق الآن استطيع ان اودعكم وانا مرتاحة الضمير.
ام انك في هذا الصمت تعلنين عن تساؤلات كبيرة في بريق عينيك وكأنك تودين الصراخ في وجه العدالة، لماذا وقف الاطباء عاجزين عن مساعدتك في اللحظة التي انت فيها بحاجة لمساعدة وانت التي عودتنا على تقديم المساعدات للغير والتضحيات في سبيل الغير والعطاء اللا محدود. وعندما كنت عاجزة وقف الجميع عاجزين عن القيام بهذا الدور، ام انك تودين الصراخ في وجه الاطباء الذين في غفلة من الزمن اضاعوا عمركما انت وزوجك في اقل من سنة وتقولين لهم لماذا انتما بالذات ضحية هذا الخطأ، انتما ضحية هذا العجز العلمي والانساني.
ومع ذلك كله كانت دائما اشراقة وجهك هي الميزة الخاصة والابتسامة التي لم تفارقك رغم كل شيء ومع هذا فقد فارقت ولم تأبهي لنداءات وتوسلات من هم حولك لا تتركينا وابقي معنا وكأن دمعتك التي سالت في اللحظات الأخيره تقول لوالدتك الصابرة المتوسلة المعتصرة المًا ان لا تتركينا. والى اخواتك حول سريرك الخاشعات الدامعات المتألمات لعلهن يساعدنك في شيء والى اخوتك وابنائك واخوة زوجك واخوانه والى كل من كان حولك ضارعين ان لا تتركينا فنحن بحاجة لك ونتمنى لك عمرا اطول ولكنك قررت ان تقولي بصمتك ودمعتك التي فرت.. اني احبكم كما احببتموني سامحوني على هذه اللحظة القاسية على هذا العجز القاتل -اني راحلة فقد اذن الرحيل- واني على ثقة انكم قدر المسؤولية فكملوا المشوار.اما انتم يا ثائر ويا لؤي ويا روان فانتم ستكونون خير خلف لخير سلف وستكونون فخورين دوما بأنكم ابناء نينا وزهير خوري، فقد بنوا لكم صرحا جميلا كبيرا مليئا بالمواقف الوطنية المشرفة مليئا بالعزة والكرامة مليئا بمحبة الناس لانهم احبوا الناس بكل جوارحهم، فالناس احبوهم وبادلوهم الحب والعطاء . فقد تركوا لكم كنزا من الحب والعطاء لا يفنى فكملوا المشوار فانتم اهل لهذا المشوار وسيروا بخطى ثابتة على الطريق الذي عبدوه لكم فسيروا والكل من حولكم يساندونكم في كل خطوة وكل لحظة.
لم يبق في ايدينا الا ان نقول للاهل جميعا ان عزاءنا بهذه الزهرات التي انبتها زهير ونينا ونقول لك يا نينا بصمت وذهول قبلنا مرغمين قرارك. فنامي قريرة العين.
(يافة الناصرة)