التسريبات الدبلوماسية المتواصلة بخصوص "صفقة القرن" تشكل حزمات ضوء إضافية تكشف المزيد من العفن في اركان هذا المشروع الذي لا يأخذ بالحسبان سوى المصالح الاسرائيلية، كما أفاد موقع Mediapart الفرنسي الذي يمكن التقدير بأن مصادره من باريس. كيف لا، وأحد واضعي هذا المشروع سفيرُ الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، ذو العقلية الاستيطانية الصهيونية القومجية والعنصرية المتعصبة، الذي وقف مبتسما الى جانب مجسم يمحو المعالم العربية للقدس! أهذا سيقرر في تسويات؟!
فالخطة تلغي حتى الدولة الفلسطينية المستقلة على 22% فقط من فلسطين التاريخية، وتختزلها الى"شبه دولة" منزوعة السلاح، وذات سيادة محدودة، عاصمتها ليس القدس بل بلدة أبو ديس! أما قطاع غزة فيُحاصر بـ"الحلول الانسانية" وكأن ما فيه لا يكفيه، وتُشطب عن هذا الجزء الفلسطيني العزيز الصفة السياسية تمام.. أهله بلا هوية! الصفقة تشطب تماما حق اللاجئين في العودة "ولو بشكل رمزي" وتقترح "دفع منحة الاستقرار في بلد المنفى" أو "إعادة التوطين في بلد آخر بدعم مالي من دول الخليج"! يرجى الإنتباه كيف يتحدث الأمريكان باسم هؤلاء ويقترحون كيفية التصرف بأموالهم!
إن الخلاصة المترتبة على هذا الهراء التآمري هو أنه لا تعويل على أي نظام وأية قوة تتعاطى مع القضية الفلسطينية كورقة ضغط أو كحجر لعب للمناورة خدمة لبرامجها أو غاياتها أو مصالحها. الحليف الحقيقي أو المناصر والنصير والمتضامن حقا هو من يتوجه لهذه القضية العادلة بعين الأخلاق وبمنظار ومنظور العدل الذي يجب أن يتحقق لذاته، ولأنه حق لأصحابه وليس كجزء من صفقة، مهما كان نطاقها وأطرافها.. وفقا لذلك يجب أن يتم الفرز وتمييز الصديق من الخصم ومن العدو. فليس الاحتلال وحاميته الأمريكية وحدهما يقعان في خانة العداء للشعب الفلسطيني وحقوقه، بل من يتواطأ معهما أيضا.
أخيرًا، يمكن التقدير بقدر عال من الثقة أن صفقة القرن قد فشلت، بالأحرى أفشلها الثبات الفلسطيني الصامد القابض على جمر حقه العادل وحلمه التحرري المنير. لكن المخاطر لم تغب تماما، والحيطة والحذر والوعي والثبات هي الكفيلة بالصد والتصدي!