كتب لينين في نداء الى العمال اليهود عام 1905 ما يلي: "في روسيا يرزح عمال جميع القوميات تحت مثل هذا النير الاقتصادي والسياسي الذي لا وجود له في اية دولة ولا سيما العمال الذين لا ينتمون الى القومية الروسية، فان العمال اليهود لا يعانون من النير الاقتصادي والسياسي العام الذي يضغط عليهم كقومية محرومة من الحقوق وحسب بل يعانون ايضا من النير الذي يحرمهم حقوقهم المدنية الاولية، وبقدر ما يشتد هذا النير بقدر ما تشتد الحاجة الى وحدة اوثق ما يمكن بين بروليتاريي مختلف القوميات لأنه يستحيل بدون هذه الوحدة النضال المظفر ضد هذا النير"
وبدعوة اليهود في روسيا وجميع البلدان الاخرى الى انشاء "دولتهم" في "ارض الاجداد" سعى الصهاينة الى فصل الكادحين اليهود عن البروليتاريا في روسيا وسائر اقطار العالم وصرفهم عن الاشتراك في الثورة الاشتراكية، وكان ذلك هدف "اباء" الصهيونية الاساسي، فقد قال هرتسل مثلا في سنة 1895 قاصدا الفقراء اليهود! "سننقل السكان الفائضين وبذلك نستبعد خطر الثورة التي قد تنشب بين اليهود والتي لا يعلم احد اين ستنتهي"، وفي رسالة الى بليفه، وزير الداخلية في روسيا بتاريخ 5 ايلول 1903 اعلن هرتسل ان الصهيونية وسيلة بمقدورها ان تحد من تأثير الحركة الثورية في روسيا على الشبيبة اليهودية، ولهذا السبب بالذات قدمت الاوساط الامبريالية للصهاينة المساعدة النشيطة والمساندة الفعالة. وفي سنة 1919 اعترف زعيم الصهاينة الامريكيين وعضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية براندايس، صراحة انه اهتم بالصهيونية "لاسباب امريكية" بوجه الحصر، أي بحثا عن السبل للحيلولة دون انتشار الافكار الثورية بين اليهود في الولايات المتحدة الامريكية، وبالروح نفسها اعرب وزير الخارجية البريطانية اللورد بلفور عن رأيه. ان مسألة القاعدة الجماهيرية للصهيونية قد شغلت على الدوام بال الزعماء الصهاينة، ولهذا سلكوا على الفور بالتحالف مع الحاخامات نهجا يرمي الى تربية السكان اليهود بدأب وانتظام بروح التعصب القومي، وهذا ما يجري الآن في عصرنا الحاضر من خلال التحالف بين حاخامات اليمين الصهيوني وقادة الحركة الصهيونية العالمية وقوى اليمين العنصري الشوفيني عالميا وداخل اسرائيل وتعاون زعماء الليكود مع قوى رأس المال الصهيونية اليميني امثال شلدون ادلسون وغيره لاكبر دليل على ذلك.
وبالمناداة بطابع الصهيونية "اللاطبقي" (جميع اليهود اخوة) وباستغلال ما يعانيه الشغيلة اليهود من ظلم وحيف صوّر الصهاينة انفسهم بطريقة ديماغوغية تضليلية انتهازية كاذبة بصورة "حماة اليهود" ووعدوهم "بالانبعاث القومي" والحياة المؤمنة والسعيدة في "ارض الاجداد"، وفي الوقت نفسه كانوا يضخمون اسطورة "خلود العداء للسامية"، ولكن على ارض الواقع السياسات العنصرية الكولونيالية العدوانية التي تمارسها حكومات اسرائيل المتتالية لا تجلب الحياة المؤمنة والامينة لشعب اسرائيل في دولته ولا تجلب لهم لا السعادة ولا الامل وفي نفس الوقت سياسات الصهيونية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني من احتلال واستيطان وحصار ورفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني العادلة وحقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس هي التي تخلق وتعمق وتؤدي الى انتشار مفاهيم مناهضة السامية. فالصهيونية والعداء للسامية هما وجهان لعملة واحدة فاسدة سترفضهما الانسانية ومستقبل الايديولوجية الصهيونية الى مزبلة التاريخ ولتمويه جوهر الصهيونية الطبقي كخادمة لطبقة رأس المال اليهودي والعالمي وكخادمة للامبريالية العالمية ومن اجل توطيد قاعدتها بين اليهود ليس فقط في روسيا، لا بل في العالم اجمع، لجأ النظريون الصهاينة على نطاق واسع ليس فقط الى الانشاءات والاختلاقات والاساطير الطوباوية والرومانطيقية والليبرالية والدينية التبشيرية المدعومة من قبل المسيحية الصهيونية وحسب، بل ايضا الى الشعارات الكاذبة والزائفة والمأخوذة من "المؤخرة" اليهودية كما قال لينين بوصفه الحركة الصهيونية من كل شاكلة وطراز، وهكذا منذ اوائل القرن العشرين اخذت تصدر خارج روسيا وكذلك في روسيا باللغة الروسية واللغة العبرية كتب ومقالات الصهاينة الذين اعلنوا انهم انصار الاشتراكية وهذا الاعلان كاذب وبعيد عن الواقع، فاسرائيل هي دولة تسيطر عليها طبقة رأس المال وهي قاعدة امامية للامبريالية العالمية قاعدة جيش له دولة، ومع تشكيل بعض التيارات مما يسمى "بالاشتراكية" الصهيونية التي انشأ انصارها في روسيا والنمسا والمجر والولايات المتحدة وفلسطين وعدد من البلدان الاخرى منظمات واحزابا تدعي الاشتراكية ما هي الا سياسات وتيارات واحزاب انتهازية مع الوقت فشلت ليس فقط عالميا ولكن ايضا داخل اسرائيل، فاليوم المجتمع الاسرائيلي بأغلبيته الساحقة يدعم قوى اليمين العنصري الصهيوني وبدعم التيارات الدينية المتعصبة والتي تدعي بأحقيتها التاريخية على كل ارض فلسطين وعلى القدس والمسجد الاقصى، وتتنكر وترفض أي حقوق قانونية وتاريخية للشعب الفلسطيني على ارض فلسطين. وبما ان الصهيونية هي وليدة البرجوازية اليهودية ومن تقيحات وافرازات ووليدة الامبريالية العالمية واداة من ادواتها منذ نشأتها وحتى الآن فقد ابتكرت ايضا لأجل اهدافها العملية وبشكل ديماغوغي كاذب ما يسمى زورا بالايديولوجية "العمالية" الاشتراكية – الصهيونية، فالى جانب "الصهيونية العامة" التي تعبر عن مصالح البرجوازية اليهودية والى جانب "الصهيونية الدينية" التي "يعلل" ايديولوجيوها ضرورة حل المسألة اليهودية حلا قوميا برجوازيا عن طريق عزل اليهود وانشاء "دولة يهودية" خاصة بالاستشهاد قبل كل شيء بالعهد القديم، نشأت الصهيونية البرجوازية الصغيرة الاشتراكية المزعومة، وفي اواسط العشرينيات ظهر في الصهيونية العالمية جناح يميني متطرف موال للفاشية وفاشي من حيث الجوهر هو تيار "الصهاينة – المحرفين" وجميع هذه التيارات داخل الحركة الصهيونية ما زالت قائمة وباسماء مختلفة جديدة في ايامنا هذه في عصرنا الحالي، وهنا لا بد وان نؤكد بان الماركسية قد اوضحت وابانت الصلة العضوية بين المسألة القومية وبنية المجتمع الاجتماعية، الطبقية، واوضحت الماركسية ان جذور العلاقات القومية تمتد في التربة الاجتماعية تمتد في تربة المجتمع البرجوازي والصراع الطبقي داخل هذا المجتمع، ولهذا استخلص ماركس وانجلز الاستنتاج الاساسي التالي: ان القضاء على الاضطهاد الاجتماعي الطبقي يشكل شرطا ومقدمة للقضاء على أي اضطهاد قومي، واستنادا الى مؤلفات ماركس وانجلز رسم لينين نظرية علمية متناسقة ومنسجمة في المسألة القومية هي جزء مكون مهم في مذهب الماركسية اللينينية وفي برنامج الاحزاب الشيوعية والعمالية. كتب لينين في نداء الى العمال اليهود عام 1905 ما يلي: "في روسيا يرزح عمال جميع القوميات تحت مثل هذا النير الاقتصادي والسياسي الذي لا وجود له في اية دولة ولا سيما العمال الذين لا ينتمون الى القومية الروسية، فان العمال اليهود لا يعانون من النير الاقتصادي والسياسي العام الذي يضغط عليهم كقومية محرومة من الحقوق وحسب بل يعانون ايضا من النير الذي يحرمهم حقوقهم المدنية الاولية، وبقدر ما يشتد هذا النير بقدر ما تشتد الحاجة الى وحدة اوثق ما يمكن بين بروليتاريي مختلف القوميات لأنه يستحيل بدون هذه الوحدة النضال المظفر ضد هذا النير" (لينين – عن التحرر الوطني والاجتماعي دار التقدم سنة 1896 ص 39) ولقد هاجم لينين كل مفاهيم التعصب القومي وهاجم بشدة انزلاق حزب البوند (حزب كان يدعي الاشتراكية قومي يهودي) نحو الانعزال وممارسة النمائم حين كتب يقول: "اذا كنتم لا تريدون العودة الى التمازج فانكم... ستبحثون عن تعليلات لانعزالكم وفي هذه البحوث ستتمسكون تارة بالفكرة الصهيونية عن "الامة" اليهودية وتلجأون طورا الى الديماغوغية والى النمائم". (لينين المؤلفات الكاملة الطبعة الروسية المجلد 8 ص 27)
وهذا ما يجري الآن مع الايديولوجية الصهيونية بشكل عام ومع من يدعي بالفكر اليساري الذي وصل داخل المجتمع الاسرائيلي الى احزاب تقف على هامش الخارطة السياسية في اسرائيل لأن استمرار الاحتلال والاستيطان وممارسات غطرسة القوة ورفض الآخر ورفض ليس التمازج بل تقبل مفاهيم تقبل الآخر والاعتراف بمعاناته ووجوده، واقصد بوجود ومعاناة الشعب الفلسطيني تدفع بالمجتمع الاسرائيلي وبالايديولوجية الصهيونية اكثر فأكثر نحو اليمين العنصري الشوفيني وسياسات الابرتهايد ويهودية الدولة وممارسة كل السياسات الديماغوغية والنمائم من اجل رفض كل المحاولات لايجاد سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الاوسط، وحل عادل للقضية الفلسطينية واستمرار عملية الاستيطان الكولونيالي وخاصة الآن بعد موافقة حكومة اليمين العنصري الشوفيني في اسرائيل ببناء اكثر من الفي وحدة سكن جديدة في الضفة الغربية المحتلة لأكبر دليل على رفض حكومات اسرائيل لقيم ومبادئ السلام العادل، وللاسف يأتي رئيس السلطة "الوطنية" محمود عباس ويقول بان التنسيق الامني مع اسرائيل والولايات المتحدة هو امر مقدس بدل ان يرفع شعار وسياسات المقاومة الشعبية ضد الاحتلال والاستيطان وعمل كل ما يلزم من اجل اعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية الورقة الرابحة الوحيدة للشعب الفلسطيني. والايديولوجية الصهيونية مصيرها مزبلة التاريخ لأن العملية التاريخية العامة والموضوعية لا بد وان تؤدي الى تكامل طوعي وتمثل طوعي للأمم والشعوب والجماعات القومية والصلة المتبادلة والتعاون والاغناء المتبادل بين الثقافات القومية والوطنية والانسانية، لذلك لا بديل عن التعايش والسلام بين كلا الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي إما في دولتين، لكل شعب دولته او دولة واحدة لكلا الشعبين.
وليس بمقدور اية زخارف دعائية او تكتيك او وسائل اعلام او زيارة رسمية لهذه الدولة او تلك بما في ذلك الزيارة الاخير لنتنياهو لعُمان او البرازيل ان تخفي الازمة العميقة المزمنة التي تعانيها الايديولوجية الصهيونية وسياسات الاوساط الحاكمة في اسرائيل وزعماء الصهيونية العالمية بما فيها جناحها الذي يدعي اليسارية. ان ازمة الصهيونية تمد جذورها العميقة في انفصال العقائد الصهيونية والممارسة السياسية المبنية عليها انفصالا متعاظما على الدوام عن الواقع الفعلي في العالم الراهن.
(انتهى)
إضافة تعقيب