تقدر تكلفة ما خلفته المحرقة الاسرائيلية وحرب الابادة في قطاع غزة، حسب تقديرات بعض المصادر، باكثر من ثلاثة مليارات دولار، وهذا المبلغ يشمل تكلفة اعادة بناء الدور السكنية والبنية التحتية المدنية وشبكات المياه والكهرباء والمدارس والنوادي والجامعات والشوارع والجسور ودور العبادة التي هدمتها آلات تدمير وحوش البشر. ولا يشمل هذا المبلغ التكلفة التي لا تغطيها اموال الدنيا لضحايا مجرمي الحرب من آلاف الشهداء والمشوهين الفلسطينيين. وكما حذرنا فان بعض القوى تحاول استغلال النكبة في قطاع غزة لابتزاز تنازلات سياسية تناقض المصالح الوطنية الفلسطينية.
فعلى سبيل المثال تقدمت المانيا باقتراح خطة اوروبية من خمس نقاط تشترط في مدلولها السياسي ان تكون عملية اعادة الاعمار في قطاع غزة مرتبطة بالاستقرار السياسي! ولا اعتراض لدينا حول صحة العلاقة الجدلية بين الاستقرار الاقتصادي والاستقرار السياسي، بين توفير مناخ وظروف استقرار سياسي وبين عمليات اعادة الاعمار. ولكن تبقى هذه المعادلة حول العلاقة الجدلية ليس اكثر من "كلمة حق يراد بها باطل" اذا جرى تشويه مدلول احد طرفي هذه المعادلة، فالخطة الالمانية الاوروبية المقترحة تضع في مركز صيانة الاستقرار السياسي وكشرط اساسي "منع تهريب الاسلحة الى قطاع غزة"!! وهذا يعني من حيث المدلول السياسي تشويها منهجيا متعمدا لاسباب وحقيقة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي، فمن ينسف قواعد الاستقرار السياسي في المنطقة والمسؤول الاول عن حمام الدم النازف من شرايين الصراع هو الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية والسورية المحتلة، والذي اجرم مؤخرا بشن حرب الابادة والمجازر الدموية في قطاع غزة. وطرح شرط مواجهة تهريب السلاح هو في حقيقة الامر املاء اسرائيلي – امريكي لتشويه حقيقة الصراع، تشويه حقيقة المقاومة الفلسطينية وتصويرها وكأنها قوة ارهابية تهدد الامن الاسرائيلي والمنطقي وحتى العالمي وتبرئة ذمة الاحتلال الاسرائيلي الذي يمثل ابشع صور وجرائم ارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم. ولو كانت العدالة سيد الاحكام في هذا العالم المهتوك لجرى تقديم مجرمي الحرب من ساسة وقادة وجنرالات اسرائيل الى المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبتهم على ما ارتكبوه من جرائم ضد الانسانية والمدنيين في قطاع غزة وبأحدث اسلحة القتل والتدمير والاسلحة المحرمة دوليا والامريكية الصنع.
ولهذا، فإذا كان الاتحاد الاوروبي سيساهم بدوره المشكور في عملية اعادة اعمار قطاع غزة وتقديم الاغاثة الانسانية للشعب العربي الفلسطيني المنكوب فعليه ان يربط ذلك بتفعيل مكابس الضغط على حكومة اسرائيل لانهاء احتلالها الاستيطاني الغاشم وانجاز تسوية سلمية عادلة تنصف الشلعب العربي الفلسطيني حقه في الحرية والدولة والقدس والعودة. فبدون انجاز الحق الوطني الفلسطيني بالتحرر والاستقلال الوطني فلن يكون هناك لا امن ولا استقرار سياسي ولا سلام عادل وشامل في المنطقة.