قالت لي مرة وكانت أجمل من قوس قزح ونحن وراء بلور مقهى بحري وكأنه وجد للحب وقصص الحب وترديد حكايا البحارة الأولين. كانت تعمل حكيمة.. وكانت حكيمة قلبي. وشوشتني وهي ترشف من كأس النبيذ القاني كلون الغروب بلذة كما تَرشفني تمامًا " الحياة قوس قزح من بعيد يسود اللون الأخضر . لو كان لون هذا القوس يقتصر على اللون الأخضر لكان مملا.
إن الالوان التي تستتر في الخلفية هي التي تضفي على القوس جماله " وضعت الكأس والقت برأسها على صدري ثم تابعث هل تعرف شيئا عن القرامطة ..وهم قوم عرب ؟" .
قلت "وكيف لا يا أميرتي وأنا يساري أبحث عن اليسار العربي والحق العربي واللفظ العربي منذ أن خُلقت " قَبلتني على الشفاه ومَصَصتُ عن شفاهها ما تبقى من نبيذ وغمرت وجهي بين خصلات شعرها أبحت عن سر هذا الجمال في حضني هنا وفي ابعاد ذاك الرواق وفي آسنة لهب الموقد المُشتعل الذي صُمم خصيصًا لحرق قلوب العاشقين وتابعتُ "...كانت جمهورية القرامطة في القرن العاشر الميلادي ولم يكن فيها لا ملوك ولا أغنياء لذلك لم يكن فيها فقراء أيضا.
لم يملك المواطن سوى ملابسه وسيفه. مُنحت النساء فيها حق التعبير عن الرأي. سمح لهن الطلاق حسب ارادتهن. أقيمت رياض الأطفال وطُحن القمح في طاحون مركزي. أدار شؤون الجمهورية مجلس مكون من ستة أعضاء وجمعية عامة مُنتخبة أي ما يشبه البرلمانات الدمقراطية اليوم. من صلاحية الجمعية العامة أن تقصيهم أي أعضاء المجلس اذا هم أفسدوا في الأرض. أعضاء المجلس الستة لم يتلقوا اجرهم لقاء عملهم في الحكم لذلك اضطروا أن يوفروا رزقهم ورزقَ عيالهم بأعمال أخرى.
أعلنت تلك الجمهورية الفريدة من نوعها في التاريخ العربي والعالمي المساواة بين جميع البشر وشرحوا أهمية العمل والسلام وقالوا بما نعرفه اليوم سلام الشعوب بحقوق الشعوب. صَمدت جمهورية القرامطة زمن العباسيين مائة وخمسين عاما وامتدت من الخليج العربي الى العراق وسوريا. كفرها أئمة التكفير وقالوا عنها مجموعة زعران وحشاشين وزنادقة وهراقطة وأبادوهم عن بكرة ابيهم واعتبروهم مصابين بأصعب وأخطر الجراثيم في كل زمان ومكان الا وهي جرثومة الحرية .. يكفيني يا جميلتي أنك ليِ وأنا لك ولنا كأس النبيذ وهذا الشاطئ الجميل وقوس قزح بكل الألوان كما خَلقه ربه عاريًا لا يرتدي الا جَمال الألوان التي تذوب كلها في حدقتيك كفراشات مُلونة تحكي لرفيقاتها عنك وعني وعن قوس القزح والجمهورية العربية الفاضلة الأولى في التاريخ.. اقصد تاريخ البشرية يا ملاكي".
قالت - اعرف أنك يساري وتجلس على يساري وتملك وجودي وضفيرتي التي أرحتها على صدري اليساري تماما كما تحب ..وتحضن قلبي وصدري ونهدي وتبعث في وجودي حنينا دافئا من شمسك الشرقية الدافئة.
قلت لها- عن يساري أرى أبعادا وأجواء وحضارات من بابل الى كنعان ومن سمرقند وطشقند الى بغداد ومن نانا الى جلجامش ومن أمنحوتب والنيل والفرات الى عرس حضاري قديم فيه نغم العود والقيثار ومقام النهاوند ، فيه غنج ودلال بلقيس وزنوبيا الزباء وصنين وقاسيون وعبد الناصر ونزار وصوت فيروز وهديل حمام المسجد الأموي في قلب الشام ومسير الشمس من هناك وتفاح الجولان وبلح بصرى وعنب الخليل وتين الجليل وبيارات يافا وبيسان .
ها أنذا في لحظتي هذه يفرحني الغروب.أشدك الى يساري حتى الخلق الجديد والبعث الجديد مع شعاعات شمس شرقية آتية عن يساري من هناك ..لا تعجبي اذًا رفيقة قلبي أنني يساري ..وشرقي أحب الشروق ولا يسعدني الغروب.