تعتبر القراءة من أجل المتعة هدفًا كبيرًا نسعى إلى تحقيقه من وراء العملية التربوية في مجالات التعليم بشكل عام وفي مجال تعليم القراءة بشكل خاص. فنحن نقرأ عادة من أجل أن نتعلم ونحصل المعارف ونرتقي من صف إلى صف أعلى ومن مرحلة تعليمية ابتدائية إلى ثانوية إلى جامعية لنيل مرتبة أو الحصول على شهادة. وعندما نقرأ ما نقرأ من كتب ومقالات فإننا نهدف إلى الوصول لحقائق معينة أو إلى الفكرة الأساسية للمادة المقروءة أو من أجل التعرف على مبنى وتنظيم نص واستشفاف أفكار وآراء لهذا المؤلف أو ذاك وكذلك لنقيم أو ننتقد أو نحلل ظواهر وأفكارًا وآراءً نتصل بها عن طريق الكلمة المكتوبة.
لكن في حياة كل منا لحظات نرغب فيها أن نمسك بصحيفة أو مجلة أو قصة وهدفنا ليس أن نتعلم وإنما أن نتمتع ونتلذذ في القراءة. وشعورنا باننا ملزمون بأن نقرأ لكي نتعلم يتلاشى هنا... ويغمرنا شعور آخر نغرق معه بين السطور والصفحات ونتمتع ونتلذذ لكن مع الكلمة المكتوبة.
وإذا كانت القراءة العادية "من أجل التعلم" تهدف إلى تغيير السلوك العقلي وتطوير التفكير ابتداء من كسب المعلومات إلى القدرة على فهمها وشرحها وتفسيرها والقدرة على استعمال ما نقرأ وتحليله والقدرة على ممارسة التفكير الإبداعي والتفكير الناقد.. فإن القراءة للتلذذ تتصل بشكل مباشر في المجال العاطفي وتعمل على تغيير السلوك الاجتماعي والأخلاقي وتنمية شخصية الفرد وصقل ذوقه الفني وتطبعه بطابع خاص يميزه عن غيره. فالقارئ من أجل التلذذ لديه الاستعداد النفسي المسبق لأن يتغير ويتأثر بما يقرأ. تحتوي كل مادة مقروءة على قيم مختلفة في مجالات حياتية عديدة. وإذا مال القارئ إلى قراءة كتاب في موضوع معين، فهو مهيأ نفسيًا لتقبل ما يقرأ والاستجابة له وتذويت (הפנמה) القيم التي يلتقي بها في النص المكتوب بحيث يصبح جزءًا من.... تؤثر في نوع السلوك أو رد الفعل لمؤثرات خارجية... فقراءة كتاب في المجال الديني يساعد على صقل الناحية الدينية في القارئ، وقراءة كتاب سياسي يصقل وينمي الميل السياسي للقارئ، وقراءة الأدب، قصة كان أو شعرًا أو مقالة يؤثر في تكوين شخصية القارئ وبلورة نظرته للحياة وفلسفته فيها. فهو يتجاوب ويتجانس مع المعاني والأفكار والقيم عاطفيًا أيضًا ويعارض إلى درجة المقاومة وإلى درجة التفاني أفكارًا وقيمًا لا تتفق ومبادئه في الحياة وقراءة كل ما يتصل بالفن من موسيقى ورسم يصقل ويهذب ذوق القارئ الفني واحساسه بالجمال فيما يحيط به.
من هنا نرى ان القراءة من أجل التلذذ لها في نفس القارئ فعل السحر وهي تتصل بإحدى حاجات الإنسان وهي بالنسبة للإنسان العصري المتحضر ليست أقل من حاجته إلى النوم أو إلى الأكل والشرب. وإذا كانت القراءة من أجل التعلم والتحصيل تلبي عند الإنسان حاجات اجتماعية واقتصادية وعملية فإن القراءة من أجل التلذذ تلبي عند الإنسان حاجة نفسية.
هذه الحاجة هي التي تفسر ميل الإنسان ورغبته في القراءة ولقاء الكلمة المكتوبة في كتاب أو مجلة أو جريدة بالرغم من وجود وسائل الإعلام الأخرى التي توفر للإنسان حاجة الاتصال مع العالم الخارجي من سماع أخبار أو مشاهدة برامج تلفزيونية. لقد دحضت هذه الحاجة النفسية آراء كثيرين في سنوات الخمسين وبعد تطور وانتشار وسائل الإعلام والاتصال (راديو، تلفزيون، كاستات، فيديو) من أن عهد الكلمة المكتوبة قد ولى وان الحاجة إلى تعلم القراءة من أجل التعلم والتحصيل أصبحت ضعيفة، وان بوسع كل إنسان أن يتعلم ما يريد ويمارس وظائف اللغة الثقافية (تحصيل) والعقلية (تفكير) والاجتماعية (اتصال) عن طريق هذه الوسائل.. فالوظيفة النفسية للغة ظلت قائمة وبقي الإنسان العصري بحاجة إلى أن يتصفح الجريدة أو المجلة أو يقرأ الكتاب حتى بعد سماع أو مشاهدة خبر أو فلم عبر الراديو وشاشة التلفزيون. من هنا يمكن أن نفهم لماذا زاد عدد القراء في العالم بنسبة أكبر بكثير من زيادة عدد السكان في السنين الأخيرة، متمثلاً في الإحصائيات العالمية عن عدد الكتب والصحف التي تباع يوميًا والتي زادت كثيرًا جدًا عما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة خلت.
ان وعي المعلم لمجالات الاهتمام والإثارة لدى طلابه تجعله يستغلها في تشجيعهم على القراءة والحادثة التي يذكرها احد المختصين في موضوع القراءة تؤكد ذلك، يقول: ان أحد المعلمين لاحظ ان طالبًا كان يرسم بدل أن يقرأ في الدرس.. وبدلاً من يوبخه أخذ الرسم وعرضه أمام الطلاب وقال: "هل صحيح ان سمير يرسم جيدًا؟ ألا يمكن أن نطلب إليه أن يرسم صورة تحكي لنا القصة؟" عندها بدت على محيا سمير علامات الفرح والسعادة وقبل على عاتقه هذه المهمة، ولكنه قال بأنه إذا ما أراد أن يرسم رسمًا صحيحًا فعليه أن يقرأ القصة أولاً ويفهمها".
إضافة تعقيب